الحسد في الاسلام وماحقيقة الحسد

تعريف الحسد في الاسلام وماحقيقة الحسد والحاسد
الحسد داء عضال, وشر وبيل يضر بصاحبه قبل أن يضر بالآخرين , وأول خطيئة كانت في الوجود هي خطيئة الحسد حيث حسد إبليس آدم وأبي أن يسجد له فحمله الحسد على المعصية , وكان سبباً في طرده من رحمة الله تعالى , كما أن أول جريمة حدثت على ظهر الأرض كانت بسبب الحسد حينما حسد قابيل أخاه هابيل , ولقد نهى الإسلام عن الحسد وحذر منه لما له من خطر على الدين , قال تعالى ذماً لأهل الكفر والضلال {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (109) سورة البقرة.

والمسلم يستعيذ بالله من شر الحسد, قال تعالى: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (5) سورة الفلق.

وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لا يزال فيهم الخير والصلاح ما لم ينتشر بينهم الحسد والبغضاء.

عَنْ ضَمُرَةَ بن ثَعْلَبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَتَحَاسَدُوا". أخرجه الطبراني (8/309 ، رقم 8157) . قال الهيثمى (8/78) : رجاله ثقات, السلسلة الصحيحة 9/172.

والحاسد يضر نفسه قبل أن يضر غيره فيظل في عذاب دائم وفي ألم مستمر وفي حزن متواصل,وهو صاحب قلب ميت ونفس خبيثة , وقديما قيل : " لا راحة مع الحسد " .

ولقد انتشر هذا الداء بين الناس اليوم , ولا يكاد يخلو جسد من حسد , بل وأصبح الناس – ولا حول ولا قوة إلا بالله - لا يحسدون الأحياء فقط, بل وصل الحسد إلى الأموات, فيقولون كان مشهد فلان ( أي جنازته ) كيت وكيت , وصلى عليه فلان وفلان , وترك كذا وكذا , قال الشاعر :

همْ يحسدوني على موتي فوا أسفاً * * * حتى على الموتِ لا أخلو مِنَ الحسدِ

وهذا كله من ضعف الإيمان, ومن عدم الرضا واليقين بما وهب الرحمن المنان .

1- تعريف الحسد:

قال ابن الأثير: الحسد : هو أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دونه. ( النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/383).

وقال ابن حجر رحمه الله : الحسد تمني زوال النعمة عن مستحق لها .( فتح الباري (10/481).

وقال النووي رحمه الله : الحسد هو تمني زوال النعمة عن صاحبها ، سواء كانت نعمة دين أو دنيا . رياض الصالحين (ص : 466).

ولقد وردت كلمة الحسد في القرآن الكريم بمشتقاتها المختلفة خمس مرات.

وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: أصل الحسد هو بغض نعمة الله على المحسود وتمنى زوالها , فالحاسد عدو النعم، وهذا الشر هو من نفسه وطبعها، وليس هو شيئا اكتسبه من غيرها، بل هو من خبثها وشرها. ( التفسير القيم صـ 583 ).

وقال صاحب الظلال في تعريف الحسد: هو انفعال نفسي إزاء نعمة الله على بعض عباده مع تمنى زوالها، وسواء اتبع هذا الحاسد هذا الانفعال بسعي منه لإزالة النعمة تحت تأثير الحقد والغيظ، أو وقف عند حد الانفعال النفسي، فإن شراً يمكن أن يعقب هذا الانفعال . أهـ تفسير الظلال (6/4008).

حقيقة الحسد والحاسد :

وحقيقة الحسد : بغض نعمة الله على العبد وإن لم يتمنَّ زوالها ,قال الحسن رحمه الله : ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد ، نغص دائم وحزن لازم .

والحسد كما هو حقيقة شرعية فهو حقيقة علمية, فإن الله ـ تبارك وتعالى ـ ما ذكر شيئا في كتابه الكريم إلا وله شأن وحكم وحكمة، فالحسد جاء ذكره في القرآن وفي السنة النبوية الشريفة، وذلك يعنى أنه طبيعة قائمة في نفوس الناس الذين لا يتقون الله فيحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، وهذا من حيث الاعتقاد لا مراء فيه ولا جدال عليه، ولكن تُرى هل له من القطعيات العلمية اليقينية ما تؤكد مصداقية حدوثه وإنه حق .

قال ابن القيم( كما في التفسير القيم صـ573، والطب النبوي صـ231): "أبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجاباً وأكثفهم طباعاً وأبعدهم عن معرفة الأرواح والنفوس وأفعالها وتأثيراتها، وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه ووجهة تأثير العين، ثم قال: " وقد دلّ القرآن والسنة على أن نفس حسد الحاسد يؤذي المحسود " أهـ

مما لا ريب فيه ولا يختلف عليه إنس ولا جان بأن للإنسان روحاً تحكمه وتهيمن عليه، وهي سر حياته ونبض فؤاده وهذه الروح كالملائكة والجن لا تُرى وإن كانت مثلهم حقيقة لا خيالاً، وواقعاً لا محالاً، وهذه الروح تتأثر بروحانيات وأمور شتى ينتج عن ذلك تقلبات وتغيرات في الإنسان، فالحزن مثلاً شيء وجداني قد يصل به الأمر أن يدمر الإنسان إن استمر ودام، وكذلك السرور والفرح قد يؤثران على الإنسان بما يبهج حياته ويدعم صحته ويطيل في عمره بإذن الله ويحرك فيه طاقات وطاقات .

هكذا إن تسلط شيطان منطلق من عين حاسد يريد نشر الشر بين الناس ويتمنى زوال ما أنعم الله عليهم فإن ذلك الخفي الشرير إبليس يحدث اضطرابا في صاحب النعمة، أو في ذات النعمة فيُخرِّبها ويهلكها بقوة خفية تحركت باديء ذي بدء من هذا الحاسد المطيع للشيطان .

قال الدكتور فيكتور يوشيه:" إن الحسد والغيرة والحقد أقطاب ثلاثة لشيء واحد، وإنها لآفات تنتج سموماً تضر بالصحة وتقضي على جانب كبير من الطاقة والحيوية اللازمتين للتفكير والعمل ". (القرآن والعلم للدكتور / عبد الرزاق نوفل صـ 28).

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: فلله كم من قتيل، وكم من سليب، وكم من معافٍ، عاد مضني على فراشه ؟
يقول طبيبه: لا أعلم داءه ما هو ؟ فصدق، ليس هذا الداء من علم الطبائع، فهذا من علم الأرواح وصفاتها وكيفياتها ومعرفة تأثيراتها في الأجسام والطبائع وانفعال الأجسام عنها، وهذا علم لا يعرفه إلا خواص .
وقال الجاحظ عن حقيقة الحاسد : ( هو الكلب الكلِب ، والنمر الحرِب ، والسم القشِب ، والفحل القطِم ، والسيل العرم ، إن مَـلَـكَ قتل وسبا ، وإن مُلِك عصى وبغى ، حياتك موته وثبوره ، وموتك عرسه وسروره ، يصدق عليك كل شاهد زور ، ويكذب فيك كل عدل مرضيّ ، لا يحب من الناس إلا من يبغضك ، ولا يبغض إلا من يحبك ...، إنك غير سالم منه وإن رفعت القذى عن لحيته ، وسويت عليه ثوبه فوق منكبه ، ولبست ثوب الاستكانة عند رؤيته ، واغتفرت له الزلة بعد زلته ، واستحسنت كل ما يقبح من شيمه ، وصدقته على كذبه ، وأعنته على فجرته ، فما هذا العناء ؟ وما هذا الداء العياء ؟ ... ، إنه لا يأتيك ولكنه يناديك ، ولا يحاكمك ولكنه يوازنك ، أحسن ما تكون عنده حالاً : أقل ما تزيد مالاً ، وأكثر ما تكون عيالاً ، وأعظم ما تكون ضلالاً . وأفرح ما يكون بك أقرب ما تكون بالمصيبة عهداً وأبعد ما تكون من الناس حمداً ، فإذا كان الأمر على هذا فمجاورة الأموات ، ومخالطة الزمنى ، والاجتنان بالجدران ، ومص المصران ، وأكل القردان ، أهون من معـاشرة مثله ، والاتصال بحبله ) رسالة الحاسد والمحسود (ص: 26 – 29).

قال الشافعي رحمه الله تعالى :

وداريت كل الناس لكن حاسدي *** مداراته عزَّت وعزَّ منالها

وكيف يداري المرء حاسد نعمةٍ *** إذا كان لا يرضيه إلا زوالها ؟